|.،* سبب اختلاف الصحابة في تفسير القرآن *،.|
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في بيان سبب اختلاف الصحابة في تفسير القرآن:
"الاختلافُ الثابت عن الصحابة - بل وعن أئمة التابعين في القرآن - أكثرُه لا يخرج عن وجوه:
أحدها: أن
يعبِّر كلٌّ منهم عن معنى الاسم بعبارة غيرِ عبارة صاحبه، فالمسمَّى واحد،
وكل اسم يدل على معنًى لا يدل عليه الاسمُ الآخر، مع أن كليهما حق... فإذا
قيل: الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام، فهي كلُّها أسماء لمسمًّى واحد
سبحانه وتعالى، وإن كان كل اسم يدل على نعتٍ لله - تعالى - لا يدلُّ عليه
الاسم الآخر.
ومثال هذا التفسير كلامُ العلماء في تفسير: "الصراط المستقيم"، فهذا يقول: هو الإسلام، وهذا يقول: طريق العبودية، وهذا يقول: طاعةُ الله ورسوله.
ومعلوم أن الصراطَ يوصف بهذه الصفات كلِّها، ويسمى بهذه الأسماءِ كلها.
الوجه الثاني: أن يذكرَ كلٌّ منهم من تفسير "الاسم" بعضَ أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب، لا على سبيل الحصر والإحاطة، كما لو سأل أعجميٌّ عن معنى لفظ "الخبز" فأُري رغيفًا، وقيل: هذا هو، فذاك مثال للخبز، وإشارة إلى جنسه، لا إلى ذلك الرغيف خاصة.
ومن هذا ما جاء عنهم في قوله - تعالى -: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ [فاطر: 32].
فالقول الجامع:
أن "الظالمَ لنفسه" هو المفرِّطُ بترك مأمور أو فعل محظور،
و"المقتصد": القائمُ بأداء الواجبات وترك المحرَّمات،
و"السابق بالخيرات": بمنزلة المقرّب الذي يتقرَّب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبَّه الحقُّ.
ثم إن كلاًّ منهم يذكر نوعًا من هذا، فإذا قال القائل:
"الظالم": المؤخِّر للصلاة عن وقتها،
و"المقتصد": المصلِّي لها في وقتها،
و"السابق": المصلِّي لها في أول وقتها حيث يكون التقديم أفضلَ.
وقال آخر:
"الظالم لنفسه": هو البخيل الذي لا يصِلُ رحِمَه، ولا يؤدي زكاةَ ماله،
و"المقتصد": القائم بما يجب عليه من الزكاة، وصلةِ الرحم، وقِرَى الضيف، والإعطاء في النائبة،
و"السابق": الفاعل المستحب بعد الواجب، كما فعل (الصِّدِّيق الأكبر) حين جاء بماله كلِّه، ولم يكن مع هذا يأخذ من أحد شيئًا.
وقال آخر:
"الظالم لنفسه": الذي يصوم عن الطعامِ لا عن الآثام،
و"المقتصد": الذي يصوم عن الطعام والآثام،
و"السابق": الذي يصوم عن كلِّ ما لا يقرِّبه إلى الله تعالى
- وأمثال ذلك - لم تكن هذه الأقوالُ متنافيةً، بل كلٌّ ذكر نوعًا مما تناولته الآية.
الوجه الثالث: أن يذكر أحدُهم لنزول الآية "سببًا"، ويذكر الآخر "سببًا" آخر - لا ينافي الأول - ومن الممكن نزولُها لأجل السببين جميعًا، أو نزولها مرتين: مرة لهذا، ومرة لهذا"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
BesO02/02/14, 04:44 pm