بِسْمِ الله الرَحْمَانِ الرَحِيمِ وَالصَلاة والسلاَمْ عَلَى أَشْرَفِ المرْسَلِينْ ،،، {}
{ قَبْلَ البَـدأْ بِالْكَـلاَمْ صَلـوا مَعَنَا عَلَى رَسولِ الله سَيِدِنَـا محمد }
{ صَلَـوَاتِ الله وَسـَلاَمه عَلَيْـهِ وَعَلَى آلـهِ وَصَحْبِـهِ أَجْمَعِينْ وَمَنْ تَبِعَـه بِإِحْسَـان إِلَى يَـوْمِ الدِيــن }
{ يا ألف أهلا وسهلا بأعضاء منتدانا الأفاضل منورينـ،ـ// ،،، {}
السلام عليكم و رحة الله تعالى و بركاته، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ألف أهلا وسهل بكافة زوار موضوعي الكرام ، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
منورين شباب ، وإن شاء الله يفيدكــم الموضوع ، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ولا تنسونا بردودكم وإنتقاداتكم ، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قال الله عزّ وجل: {{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}} [المائدة: 41]
قوله: {{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} } المراد بالرسول هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وفي قوله: {{لاَ يَحْزُنْكَ} } قراءتان «يُحزِن»، و«يَحزُن»، وكلاهما سبعيتان صحيحتان أي: لا يجعلك تحزن قول هؤلاء الذين يسارعون في الكفر.
وقوله: {{يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} } أي: يتسابقون فيه، والكفر في اللغة: الستر، ومنه سمي الكافور أو الكُفُرَّى الذي هو وعاء طلع النخل؛ لأنه يستر الطلع الذي في جوفه، والمراد بالكفر هنا: الكفر بالله عزّ وجل.
والكفر بالله يدور على شيئين: إما الجحود وإما الاستكبار؛ إما الجحود والإنكار ـ يعني: التكذيب ـ وإما الاستكبار مع الإقرار.
لو قال قائل: كفر إبليس من أي النوعين؟
الجواب: من الاستكبار؛ لأنه مؤمن لكنه مستكبر والعياذ بالله، وكفر قريش الذين يقولون: {{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}} [ص: 5] ، كفر إنكار وتكذيب.
لو قال قائل: قسمتم الكفر إلى قسمين ولم تذكروا القسم الثالث وهو كفر الجهل الذي يُلحق به عُبَّاد الصليب وعباد القبور؛ لأنهم ليسوا معاندين ولا مستكبرين بل هم جهال، نريد التفصيل في هذا
الجواب: هؤلاء لو كانوا جاهلين عفا الله عنهم، وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام يعدون معاندين، ولا نستطيع أن نقول إنهم جهال بل نقول معاندون، هذا لا شك فيه، فالنصارى معاندون. قال النبي عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودياً ولا نصرانياً ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أهل النار» [(193)].
قوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} } مِن: هنا بيان للاسم الموصول الأول وهو قوله: { ْ {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ} }.
قوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} } قوله بأفواههم: متعلق بـ«قالوا»، أي: قالوا بأفواههم: {{آمَنَّا} } {{وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} }، وهذا الوصف ينطبق تماماً على المنافقين، كما قال الله تعالى: {{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ *}} [البقرة: 8] ، وهؤلاء في الكفر كاليهود والنصارى كما قال الله تعالى: {{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ}} [الحشر: 11] يعني اليهود.
قوله: {{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } بيَّن الله تعالى أحوال اليهود، والذين هادوا هم الذين قالوا: {{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}} [الأعراف: 156] : أي: رجعنا إليك من المعصية إلى الطاعة، فيُسمون الذين هادوا، ويُسمون اليهود، أما التسمية الأولى فلقولهم: {{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}}، وأما الثانية: فنسبة إلى أبيهم يهوذا.
قوله: {{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ} } هل هي جملة مستأنفة أو معطوفة على قوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} }؟
إذا جعلناها معطوفة يكون إعرابها خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: ومن الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا هم سماعون فتقرأ: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} } ثم تقول: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } والتقدير: «هم سماعون»، وإذا قلنا: إن الجملة مستأنفة جعلنا: {{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} } خبراً مقدماً، وسماعون صفة لموصوف محذوف وهو المبتدأ، والتقدير: «ومن الذين هادوا قوم سماعون للكذب».
وقوله: {{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} }: أي: قابلون له، يقبلون الكذب من أحبارهم الذين يقولون: إن محمداً ليس بنبي، وهذا من أكذب ما يكون، بل هو أكذب شيء بعد الكذب على الله عزّ وجل.
قوله: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} } أي: سماعون لكذبهم، فيكون الله عزّ وجل ذكر أن هؤلاء الذين هادوا ويسمعون للكذب مطلقاً، ويسمعون لقوم آخرين لم يأتوا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتكون «اللام» للتعدية أو للتقوية.
وقوله: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } تحتمل معنيين، والقاعدة أن الكلمة تحمل على المعنيين إذا كانا صحيحين، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، ولا منافاة بينهما.
فالمعنى الأول: أنهم سماعون للكذب ممن أَتوك وممن لم يأتوك، فهم يستجيبون للكذب من أي إنسان، سواء كان يأتي إليك أو لا يأتي.
والمعنى الثاني: في قوله: {{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} } أي: يسمعون منك ليوصلوه إلى قوم آخرين، فكأنهم واسطة بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين من ينقلون إليه الخبر، وتكون «اللام» تعليلية، يعني: سماعون لك من أجل قوم آخرين، يُوصِلون ما تقوله إليهم، فإذا أوصلوه إلى هؤلاء القوم الآخرين حرّفوه وبدلوه وغيروه، ولهذا قال: {{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} } يعني أن القوم الآخرين وهم أحبار اليهود الذين ينقل إليهم العامة ما يسمعونه من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهؤلاء يُحرفون الكلم من بعد مواضعه، والتحريف بمعنى التغيير، أي: يغيرونه عن وجهه، فيقولون: المراد كذا، والمراد كذا على خلاف ما أراد الله ورسوله.
وهل المراد أنهم يحرفون الكلم من التوراة أو أنهم يحرفون الكلم من التوراة وغيرها؟
الأَولى العموم، فهم يحرفون الكلم من التوراة، ويحرفون الكلم من القرآن.
قوله: {{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} } يعني ما نريد من الحكم فخذوه {{وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} }، والإشارة بما يدل على البُعد ليس لرفع شأنهم، ولكن لإبعادهم عن الثناء وأن يكونوا على حق.
قوله: {{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} } الإيتاء والإعطاء إنما يكون في المحسوسات وفي المنقولات، لكنه قد يستعمل في المعاني كما في هذه الآية، وأصل هذه القصة نزلت في يهوديين زانيين. فالأحبار يُعَيِّنُونَ لهؤلاء القوم الذين ينقلون إليهم الأخبار شيئاً معيناً أي: حكماً معين، فيقولون: {{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} } من محمد فخذوه، واقبلوه، {{وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} } يعني احذروا أن تقبلوه، فصار الآن هؤلاء الأحبار الذين يُنقل إليهم الكلام من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، يقولون لأتباعهم: اعرضوا هذا على محمد فإن أعطاكم إياه فخذوه وإلا فاحذروا.
وضرب المفسرون لهذا مثلاً بقصة الرجم، كان الرجم ـ أعني رجم الزاني ـ محكوماً به في التوراة وكانت بنو إسرائيل ترجم من زنا، فلما كثر الزنا في أشرافهم صعُب عليهم أن يرجموا أشرافهم فقالوا: لا نرجم ولكننا نحمِّم الوجه، أي: نسوده، ونُرْكِبُ الزانيين على حمار، كل واحد منهما مستدبر الآخر، ونطوف بهما في الأسواق فقط، ولا نرجم، فقدر الله عزّ وجل أن يزني من اليهود رجل وامرأة، فرفعوا الأمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم[(194)]، وقال أحبارهم: إن آتاكم محمد هذا، يعني تحميم الوجه والطواف بهم في البلد فخذوه، وإن لم يعطكم وأمر بالرجم فاحذروا.
وهذا مثال وليس حصراً لمعنى الآية، بل المراد أنهم يعينون ـ أي: الأحبار ـ أحكاماً لعامتهم ويقولون: إن حَكَمَ بها محمد فاقبلوها وإن لم يحكم فاحذروا.
قوله: {{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} } وتحريفهم الكلم هنا تحريف معنوي، بمعنى أنهم جعلوا الرجم منسوخاً وأنه لا يجب العمل به، وسنذكر إن شاء الله في الفوائد أن التحريف ينقسم إلى قسمين.
قوله: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} } يعني: ضلاله {{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} } وهذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، يعني أن الله إذا أراد فتنة أحد فإنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يرد هذه الإرادة، بل لا بد أن تقع، ولكن هل إرادة الله في فتنة أحد من الناس مبنية على غير حكمة؟
الجواب: لا، بل هي مبنية على حكمة، والحكمة ذكرت في قول الله تبارك وتعالى: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5] ، إذاً هم السبب، فلما علم الله أن ليس في قلوبهم خير أزاغها، كما قال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}} [الأنفال: 70] .
إذاً نقول: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} } أي: إضلاله: {{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} }، هذا فيمن هو أهل للإضلال.
قوله: { [ ء {أُولَئِكَ الَّذِينَ} } أولئك: المشار إليهم هؤلاء اليهود الذين لا يقبلون من الحق إلا ما وافق أهواءهم.
قوله: {{لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} } أي: من الشك والشرك والإلحاد وغير ذلك، وإنما ذكر القلوب؛ لأن القلوب هي محل الصلاح والفساد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[(195)].
قوله: {{لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} } أي: ذل وعار، وذلهم وعارهم أما من جهة اليهود فبقتالهم والغلبة عليهم، وقد حصل والحمد لله ذلك، فإن قبائل اليهود التي كانت في المدينة منهم من قُتِل ومنهم من جُلِّي، فهذا خزيٌ في الدنيا، وأما في الآخرة فلهم عذاب عظيم لا يعلم كنهه؛ لأنه من الأمور الغيبية، ومن شاركهم في عملهم استحق مثل عقوبتهم، والمنافقون خزيهم أن الله عزّ وجل بَيَّنَ حالهم وكشف عوارهم، كما قال الله تبارك وتعالى: {{وَلَوْ نَشَاءُ لأََرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}} [محمد: 30] ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد علم أَسماء أُناس من المنافقين وأَخبر بهم حذيفة بن اليمان[(196)]، ولهذا يُقال: إنه صاحب السر.
قوله: {{خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}} وهو عذاب النار، نسأل الله أن يجيرنا منها، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار
من فوائد الآية الكريمة:[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الفائدة الأولى: الشهادة لمحمد صلّى الله عليه وسلّم أنه رسول، لقوله: {{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ} }.
الفائدة الثانية: تعظيم الله تعالى لرسوله؛ لأن صيغة النداء على هذا الوجه من علامة التعظيم، كما تقول: يا أيها الملك، يا أيها الأمير، يا أيها الكريم.
الفائدة الثالثة: تقوية النبي صلّى الله عليه وسلّم، أي: تقوية قلبه وتسليته بقوله: {{لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} } يعني لا يهمنك أمرهم، فإن عاقبتهم أن لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الأخرة عذابٌ عظيمٌ.
الفائدة الرابعة: أن الناس يختلفون في الكفر، فمنهم من يسارع فيه بخطا حثيثة، ومنهم من هو دون ذلك؛ لأنه قسَّم فقال: {{لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} }، يعني وهناك أناس لا يسارعون فيه، فالداعية إلى الكفر مسارع فيه، وغير الداعية غير مسارع.
الفائدة الخامسة: الإشارة إلى أن المدار في الإيمان على القلب، لقوله: {{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} } فالإيمان باللسان ليس إيماناً حتى يكون مبنياً على إيمان القلب، وإلا فإنه لا ينفع صاحبه.
الفائدة السادسة: أن الإيمان محله القلب، لقوله: {{وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} }، ولكن إذا قال قائل: ألسنا مأمورين بأن نأخذ الناس بظواهرهم؟
الجواب: بلى، نحن مأمورون بهذا، لكن من تبين نفاقه فإننا نعامله بما تقتضيه حاله، كما لو كان معلناً للنفاق، فهذا لا نسكت عليه، أما من لم يعلن نفاقه، فإنه ليس لنا إلا الظاهر، والباطن إلى الله، كما أننا لو رأينا رجلاً كافراً فإننا نعامله معاملة الكافر، ولا نقول: إننا لا نكفره بعينه، كما اشتبه على بعض الطلبة الآن، يقولون: إذا رأيت الذي لا يصلي لا تكفره بعينه، كيف لا أكفره بعينه!! إذا رأيت الذي يسجد للصنم لا تكفره بعينه؛ لأنه ربما يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، هذا غلط عظيم، نحن نحكم بالظاهر، فإذا وجدنا شخصاً لا يصلي قلنا: هذا كافر بملء أفواهنا، إذا رأينا من يسجد للصنم قلنا: هذا كافر، ونُعَيِّنُهُ ونلزمه بأحكام الإسلام، فإن لم يفعل قتلناه، أما في أمر الآخرة لا نشهد لأحد معين، لا بجنة ولا بنار إلا من شهد له النبي صلّى الله عليه وسلّم أو جاء ذلك في القرآن.
الفائدة السابعة والثامنة : أن من اليهود من هو سماع للكذب نقَّال للكذب، بمعنى أنه يصدق الكذب ولا يتحرى فيه ويقبله، وأيضاً ينقل الكذب وهذا شيء مشاهد، فينبني على هذه الفائدة أن من كان هذه حاله ففيه شبه من اليهود، فالذي يقبل الكذب ويتحدث به، ويأخذه مسلَّماً مشابهاً لليهود، والذي ينقل الكذب كذلك مشابه لليهود، فمن كذَّب أو صدَّق بالكذب، فإنه مشابه لليهود بلا شك، وهذا يقتضي الحذر من هذا الخلق الذميم.
الفائدة التاسعة: تعاظم اليهود أعني أحبارهم، واستكبارهم عن الحضور إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكأنهم يظنون أنهم إذا حضروا فهذا ذل وصغار، ولكن الله أذلهم وأصغرهم ـ والحمد لله ـ بعدم إيمانهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.
الفائدة العاشرة: بيان هذا الوصف الذميم من اليهود، وهو تحريف الكلم، والمراد بالكلم هنا الوحي الذي جاءت به الرسل، التوراة والقرآن وغيرهما، قال العلماء: والتحريف نوعان: الأول: التحريف المعنوي، والقائلون به كثير، والثاني: التحريف اللفظي، والقائلون به قليل.
أما الأول: التحريف المعنوي فهو أن يصرف كلام الله وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم إلى غير ما أراد الله ورسوله، سواء في الأمور العقدية أو في الأحكام الفقهية، إذا صرف النص عما لا يريد الله ورسوله، فإنه محرف للكلم، ولكن تحريف آيات الصفات أشد من تحريف غيرها من الآيات لسببين: الأول: لشرف موضوعه؛ لأن البحث في أسماء الله وصفاته هو من أشرف العلوم، حتى كانوا يسمونه الفقه الأكبر، الثاني: أنه ليس للعقل فيه مجال، فواجب الإنسان التسليم وعدم التحريف، فالتحريف هنا أشد من أن يحرف الإنسان آية في حكم من الأحكام أو حديثاً؛ لأن الأول يتعلق بالخالق، وهذا يتعلق بالمخلوق.
الثاني: التحريف اللفظي ، وهو أيضاً محرم، ولكنه قليل، وذلك لأن محرف التحريف اللفظي إن كان لا يتغير به المعنى، فلن يقيم عليه؛ لأنه لا يستفيد، سوف يظهر الناس عليه حتى العامة سيردون عليه، وإن كان يتغير به المعنى، فقد جمع بين التحريف اللفظي والتحريف المعنوي، فالذي يقول: إن الله استوى على العرش، لكن معنى استوى: استولى، هذا محرِّف تحريفاً معنوياً، والذي قرأ: {{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}} [النساء: 164] بنصب لفظ الجلالة، هذا محرف تحريفاً لفظياً ومعنوياً؛ لأنه إذا قال: كلم اللـهَ موسى تكليماً، صار الكلام من موسى، وهذا تحريف معنوي، وإذا نصب لفظ الجلالة، فهو تحريف لفظي، والذي يقول: الحمد لله ربَّ العالمين، بنصب (رب) محرِّف تحريفاً لفظياً؛ لأن المعنى لا يختلف، لكن اللفظ يختلف، وكل أنواع التحريف المعنوي واللفظي محرم، ثم إن تعمد الشيء مع علمه بمراد الله ورسوله، فهذا قد يصل إلى الكفر والعياذ بالله؛ لأنه قال على الله ما يعلم أن الحق في خلافه.
الفائدة الحادية عشرة : أن التحريف المذموم، هو الذي يقع بعد معرفة الإنسان للحق؛ لقوله: {{مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} } وفي الآية الأخرى {{عَنْ مَوَاضِعِهِ}} [المائدة: 13] فهم يريدون أن يُزيلوا الكلم عن مواضعه.
أما الإنسان الذي تأوَّل بتأويل سائغ فإنه لا يذم، ولا يُعد فعله تحريفاً يأثم به؛ وذلك لأن أهل التأويل لهم شُبَه، فهم فهموا أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه وهذا فهم خاطئ بلا شك، فقالوا: إذا قلت: إن معنى قوله تعالى: {{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}} [الأعراف: 54] إنه علا على العرش واستقر فقط؛ جعلته جسماً، والأجسام متماثلة، وما أشبه ذلك من الشبهات، وكذلك في مسألة اليدين والعينين، لكن لو قالوا: إن قوله: {{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}} بمعنى أنه أعدم العرش فهذا لا يصح؛ لأنه لا يسوغ، فالتأويل السائغ هو الذي له وجه في اللغة، فقولهم: استولى له وجه في اللغة؛ لأن استوى تأتي بمعنى العلو المعنوي، والعلو المعنوي معناه الملك والقهر والاستحواذ، وما أشبه ذلك من الشبهات.
وهنا تنبيه وهو أن الصواب أنه لا فرق بين ما يقال عنه أصول وفروع ما دام أن النص يسوغ فيه الاجتهاد، ثم تأوله الإنسان فلا يقال: إنه آثم كما تقدم، ولكن يقال: إن هذا خطأ، ونحن وإن كنا قد نعد تأويلهم تحريفاً فإننا نأثم به إذا وافقناهم ونعلم أنهم على غير صواب، ولهذا قد يعذر القائل ولا يعذر التابع.
الفائدة الثانية عشرة : أن من حرَّف الكلم عن مواضعه من هذه الأمة ففيه شبه من اليهود، فيقتضي هذا التحذير من تحريف الكلم عن مواضعه؛ لئلا يقع الإنسان في مشابهة اليهود.
الفائدة الثالثة عشرة : أن اليهود لا يقبلون من الحق إلا ما وافق أهواءهم، لقوله: {{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} }.
الفائدة الرابعة عشرة : ذم أولئك الذين لا يقبلون من الحق إلا ما وافق أهواءهم، وإذا لم يوافق أهواءهم ذهبوا يتطلبون الرخص من هذه الأمة، فإن كثيراً من الناس على هذا المنوال، إذا أُفتي بما تطمئن إليه نفسه قَبِلَهُ، وإلا ذهب يطلب آخرين يفتونه بما يشتهي، فهذا نقول: إن فيه شبهاً من اليهود.
الفائدة الخامسة عشرة : شدة كراهة أحبار اليهود للحق، لقوله: {{وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} }، لم يقولوا: فلا تأخذوه، بل قالوا: {{فَاحْذَرُوا} }، وهذا أشد وقعاً من قولهم: فلا تأخذوه، وكان مقتضى المقابلة أن يقال: وإن لم تؤتوه فلا تأخذوه، لكنهم قالوا: {{فَاحْذَرُوا} }.
لو قال قائل: ما أسباب رد الحق عند علماء بني إسرائيل؟
الجواب: أقول: رد الحق قد يكون استكباراً، وقد يكون لشبهة تعرض للإنسان، ونحن نعلم أن علماء بني إسرائيل ردوا الحق استكباراً؛ لأن الله يقول: {{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ *}} [الشعراء: 197] ، لكن عوام بني إسرائيل لهم شبهة، وهي أن علماءهم يقولون: إن محمداً عربي، والله جلَّ وعلا يقول: {{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ}} [الجمعة: 2] ، ثم لا يذكرون قوله: {{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *}} [الجمعة: 3] ، فيشبهون.
الفائدة السادسة عشرة : إثبات إرادة الله عزّ وجل، وأنها شاملة حتى لإرادة الإنسان لقوله: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} } واعلم أن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية: وهي التي بمعنى المحبة، وإرادة كونية وهي التي بمعنى المشيئة، فهنا في قوله: {{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} }: الإرادة إرادة كونية، أي: من يشأ الله فتنته، كذلك قوله تعالى: {{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}} [الزمر: 38] الإرادة كونية أيضاً، وفي قول الله تبارك وتعالى: {{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}} [النساء: 27] ، هذه إرادة شرعية؛ لأنها لو كانت إرادة قدرية لتاب الله على جميع الناس، لكنها إرادة شرعية بمعنى أن الله يحب أن يتوب علينا.
إذاً الفرق بين الإرادتين من حيث حقيقتيهما أن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة، والإرادة الكونية بمعنى المشيئة، والفرق بينهما: أن الإرادة الكونية لا بد من وقوع مراد الله بها، والإرادة الشرعية قد يقع وقد لا يقع، والفرق الثاني: أن الإرادة الكونية تكون فيما يحبه الله وما لا يحبه الله، والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله.
فإذا قال قائل: هل الله يريد الكفر؟
قلنا: فيه تفصيل، بالإرادة الكونية نعم، وبالإرادة الشرعية لا، وبه نعرف ضلال من يقول: كل ما وقع فهو محبوب إلى الله، وهذا غلط، لو أخذنا بهذا لزم من ذلك أن الله يحب الكفر والفسوق والعصيان، وهو عزّ وجل لا يحب هذا ولا يحب الفساد.
لو قال قائل: الإيمان هل هو مراد لله كوناً أو شرعاً؟
الجواب: إن وقع فهو مراد كوناً وشرعاً، وإن لم يقع فهو مرادٌ شرعاً.
لو قال قائل: قوله تعالى: {{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}} [الكهف: 77] هل فيها دليل أن للجمادات إرادة؟
الجواب: نعم، لها إرادة، لقوله تعالى: {{يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}}، فالجمادات لها إرادة، أليس النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «هذا أُحد يحبنا ونحبه» [(197)]؟ أليس تسبيح الحصى يُسمع بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام[(198)]؟ أليس الله يقول: {{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}} [الإسراء: 44] . كل هذا يدل على أن الجماد له إرادة.
الفائدة السابعة عشرة: أنه لا أحد يملك أن يغير مراد الله، لقوله: {{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} }.
الفائدة الثامنة عشرة : أن المدار في الصلاح والفساد على القلب، لقوله تعالى: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} }.
الفائدة التاسعة عشرة : أنه يجب على الإنسان المستدل أن ينظر إلى النصوص من جميع الجوانب، وذلك أنك إذا نظرت إلى قوله: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} } لقلت: إن إرادة الله تعالى لتطهير القلب مجرد مشيئة، لكن إذا قيدتها بالنصوص الأخرى عرفت أن عدم إرادة الله تطهير قلوب هؤلاء؛ لأنهم ليسوا أهلاً لذلك، كما قال الله تعالى: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5] ، وكما يتضح هذا جلياً في قول الله تعالى: {{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}} [الأنعام: 124] .
الفائدة العشرون: أن في الآية شاهد واضح لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله»[(199)].
الفائدة الحادية والعشرون : أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يطهر قلبه، وأن يعتني بأعمال القلب، واعتناء المرء بأعمال القلب يجب أن يكون أشد من اعتنائه بعمل الجسد؛ لأن عمل الجسد يقع من كل إنسان، من مؤمن ومنافق، لكن عمل القلب هو المهم. ـ أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعاً ـ.
الفائدة الثانية والعشرون : بشارة النبي عليه الصلاة والسلام، بأن هؤلاء القوم لهم الذل والعار في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
الفائدة الثالثة والعشرون : الوعيد لهؤلاء لعلهم يرجعون، فإن الوعيد على المعصية من أسباب العدول عنها، بحيث لا يَقْدِمُ عليها، وإذا أقدم استعتب وتاب.
الفائدة الرابعة والعشرون : إثبات أن لبني آدم دارين هما: الدنيا والآخرة، الدنيا: يكون عذابها إما من الله وإما من عباد الله، قال تعالى: {{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}} [التوبة: 14] هذا على أيدي الرسول وأصحابه، وقد يكون من الله عزّ وجل، كما إذا ابتلوا بالأمراض والقحط والجدب وغير ذلك، أما عذاب الآخرة فمن الله وحده، لا أحد يستطيع أن يعذب أحداً في الآخرة ولا أن يثيبه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
BesO02/02/14, 05:20 pm