[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لا تأخذ النفس إنسانيّتها العالية ، وكمالها الخُلُقي ، وسلامتها الروحيّة ، إلا حينما تؤمن بقضاء الله وقدره ، ولا تهوي في دركات اليأس والقنوط ، ومشاعر الحزن والإحباط ، وطبائع الخمول والكسل ، إلا بابتعادها عن شمسها الساطعة وسناها المُشرق ، وهذا الارتباط بين قوّة المعتقد وطيب الشمائل ارتباطٌ محكم ، وعمله في الخلائق كالقانون الجاري الذي لا يُخالجه نقصٌ أو يداخله اضطراب .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وكم هو عجيبٌ أثر الإيمان بأقدار الله ، لكأنّه الينبوع الصافي المتدفق على الأرض الميتة فيحييها ، والنفوس المريضة فيشفيها ، وإذا سُقيت القلوب برحيق الإيمان اهتزّت وربت ، وأخضرت وأورقت ، ثم أثمرت فضائل جمّة تراها في مجموعها في غاية الجمال والروعة ، والرونق والبهاء . وسنقف ها هنا على بعضٍ من تلك الثمار ونرصدها ؛ حتى يعلم المؤمن اضطراره إلى هذا الركن من الإيمان واحتياجه له .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إن الإيمان بالقدر ينفث في نفس المؤمن الشجاعة والإقدام ، ويؤجّج فيها مشاعر القوّة والجرأة ، فلا يهاب الموت ولا يخشى المنايا خصوصاً في مواطن القتال ؛ لأنه يعلم أن الأجل محدود ، وأن الموت كأس وكل الناس شاربه ، والقبر باب وكل الناس داخله ، قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله : { أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } (النساء7) ، وفي آية أخرى : { إنك ميت وإنهم ميتون } (الزمر:30).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وإذا كانت الأقدار مسطورة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة – كما صحّ بذلك الحديث - سلّم العبد أمره لله ، وفوّض حوله وقوّته إليه ، وحينها لم يبقَ في قلبه خوفٌ من المخلوقين أو توجّسٌ من كيدهم ومن شرّهم ، وأورثه ذلك جُرأةً في ساحات الوغى وثباتاً في المعارك ، وتركاً للإحجام والتردّد ، ويكون حاله كقول علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه فيما نُسب إليه :
أي يوميَّ من الموت أفِرْ يوم لا يُقْدَرُ أو يوم قدِرْ
يوم لا يُقْـدَرُ لا أرهبه وإذا قدِّر لا ينجي الحذر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومن لوازم الإيمان بالقدر العلمُ بأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها ، وبأن الله هو الغني الحميد ، وأنه خير الرازقين ، فمن استنار صدره بذلك طُبع على حبّ البذل والعطاء وكشفِ ضوائق الناس وقضاءِ حوائجهم ، والإنفاق على وجوه الخير في اليُسر والعُسر دون أن يخشى العبد من ذي العرش إقلالاً ؛ لأن الله وعد وهو أصدق القائلين : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } (سبأ:39) ، والجزاء من جنس العمل ، فلن يُعدم المرء من عوضٍ عاجل في الدنيا ، أو أجرٍ آجلٍ في الآخرة ، وفي الصحيح قوله – صلى الله عليه وسلم -: ( ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خَلَفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفاً ) متفق عليه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وكما يُرزق العبد بإيمانه كرماً وسخاءً ، يُرزق قناعةً وزهداً عمّا في أيدي الناس ، لأنّه يعلم أن الدنيا زهرةٌ فانيةٌ تذهب سريعاً وتمشي جميعاً ، فالدنيا عنده مطيّةٌ للدار الآخرة ودار ممرٍّ لا دار مستقرّ ، ومن كانت عنده مثل هذه البصيرة عمل بوصيّة المصطفى – صلى الله عليه وسلّم - فنظر إلى من هو دونه ولم يتطلّع إلى ما ليس عنده .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومن ثمار الإيمان بالقضاء والقدر ، التخلّص من أمراض الكبر والاستعلاء ، والتحلي بأخلاق التواضع ولين الجانب والرحمة بالخلق ، ومنشأ ذلك العلم بأن ما آتاه الله من قوّة وحكمة ، وحسبٍ وجاه ، وقوّة ومكانة ، وأموالٍ وخيراتٍ ، إنما هو من تقدير الله عزّ وجل ، وأن العبدَ ما أوتي كلّ ذلك إلا ليُبتلى في هذه الحياة أيشكر أم يكفر ؟ ثم لو شاء الله أن يسلب عنه النعم ما منعه من ذلك شيء ، فإذا تقرّرت هذه الحقائق في النفس تهذّبت طبيعتها للتخلّق بأخلاق الأنبياء وشيم النبلاء ؛ خفضاً للجناح ورحمةً بالمؤمنين ، وحنواً عليهم ، وتلطّفاً في الخطاب معهم ، وما زاد أحدٌ بالتواضع إلا رفعةً وقبولاً في الأرض .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ويمكن القول : إن من أقوى البواعث على العمل
الجاد والسعي الدؤوب في عمارة الأرض وتنمية الموارد والقيام بشؤون الحياة
هو الإيمان بالقضاء والقدر ؛ ذلك لأن الله سبحانه وتعالى ربط الأسباب بالمسبّبات ، وجعل من نواميس الكون أن من جدّ وجد ، ومن زرع حصد ، وإذا بذل الإنسان جهده ، وأفرغ وسعه ، فلن يضيّع الله عمله ، ولن يُضلّ سعيه ، والآمال لا تتحقّق بالأماني الكاذبة والأحلام الزائفة ، فلا مجال إذن للتواكل والقعود والسلبية ، ولا وجه للراحة والتسويف ، فالسماء – كما قال عمر رضي الله عنه - لا تُمطر ذهباً ولا فضّة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومثل هذه الروح المؤمنة إذا انبعثت في الأمم والشعوب سينشأ لديها جيلٌ كامل من أصحاب النفوس الأبيّة والهمم العالية ، والذي يسعى إلى الكمال ولا يرضى إلا بمعالي الأمور ، ولا تستعبده الرغائب أو تستهويه الدنايا ، قد وضع نُصب عينيه قول المصطفى – صلى الله عليه وسلم - : ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) رواه مسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومن آثار الإيمان بالقضاء والقدر سلامة الصدر من كلّ غلٍّ ناشيء عن حسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ومعلومٌ أن هذا المرض العضال هو في حقيقته اعتراضٌ على أقدار الله وقسمته بين الخلائق ، ولا يعصم الناس من ذلك إلا الإيمان بحكمة الله في توزيع الأرزاق وتقسيم الأقوات ، ومنح المواهب والقُدُرات ، وإذا طهُر قلب العبد المؤمن من أمراض الحسد عاش في طمأنينة وسعة بال ، وقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( واسلل سخيمة قلبي ) رواه أحمد وغيره ، والمقصود بها أمراض القلوب المهلكة كالغش والحقد والحسد .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
والمؤمن بالقدر لا يُسلم نفسه لمشاعر اليأس والإحباط من مرارة الواقع وترادف الفِتَن وتسلّط الأعداء ؛ ليقينه بموعود الله في نصرة أهل الحق وكون العاقبة لهم ، ودحرِ الباطل وتنكيس رايته . ومحاربة اليأس تقود إلى سكون القلب وطمأنينته حتى يُبصر المؤمن المنحة في جوف المحنة ، ويُدرك أن بعد العسر يُسراً ، وأن النصر مع الصبر ، ومهما طال الليل فلا بد أن يعقبه الفجر ، وأن يحقّق الله وعده المسطور في كتابه العزيز : { وعد
الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف
الذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم
أمنا } (النور:55).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ولا شكّ أن الإيمان بالقدر يورث العبد اعتدالاً في مواجهة أقدار الله المختلفة ، في السرّاء والضرّاء على حدٍّ سواء ، فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلّم - قال : ( عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له ) رواه مسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
هذه بعض ثمار الإيمان بالقدر ، وهي غيض من فيض ، ونقطة من بحر ، ولن تتضح لنا جلياً حتى نتأملها في نفوسنا وإخوانا ، ونتأمل نقيضها فيمن لا يؤمن بالقدر ، فكم قتلت الحيرة نفوساً أرقها التفكر في المستقبل . وأزعجها وقع المصيبة وألم الحسرة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الادارة كريم02/02/14, 04:42 pm