كان
الفراعنة يضعون صورة تابوت على المائدة ، كي يلجموا أنفسهم على الانغماس
في الشهوات ، ويُفكروا في الموت. ذلك أن فائض النِعم يعمي البصائر ، ويُعطي
إحساسا للإنسان بالعظمة والخلود.
لقد ذهبت النِعم عبر التاريخ بإمبراطوريات لم تكن تغرب عنها الشمس . فإدمان
الرفاهيّة والملذّات أسقط قلاع روما ، ولم يُبقي منها سوى الأعمدة لمن
يعتبر.أمّا قادتها ، فـ بفضل فتوحاتهم العابرة للقارات ، والانتصارات
الساحقة لجحافل جيوشهم ، أخذوا أنفسهم مأخذ الآلهة . مما جعل مجلس الشيوخ
ينصِب مُنادياً على مدخل روما لدى عودة أي قائد منتصر إلى المدينة ، ومعه
بوق يردِّد فيه " تذكّر أنك بشر . . تذكّر أنك بشر " .
لو أنّ طغاة هذه الأمة ، ممن استبدّوا وأبادوا ، وأفسدوا ونهبوا و تألّهوا
وتفرعنوا ، سمعوا هذا النداء ، لربما عادوا إلى صوابهم ، وتذكّروا أنهم
مجرّد بشر ، وُجدوا لمصادفة تاريخيّة حيث هم. فتواضعوا قليلا ، ووفّروا على
أنفسهم ذنوبا بين يديّ الله ، ومذلّة أمام التاريخ .
إن أناساً سطوا على ميزانيات دول ، وحوَّلوها دون حرجٍ إلى ثروات شخصيّة ،
موزَّعة على بنوك العالم ، يعتقدون حتما أنهم خالدون . وأنّهم سيُقيمون في
كل القصور التي امتلكوها ، ويُنفقون كل الأموال التي نهبوها ، ويأخذون معهم
حيثما سيذهبون ، ما خزّنوا ممّا سرقوه من فم جياع ، أتمِنوا أمام الله على
قوتهم .
يقول الله تعالى " وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفّار ".
ولا
أظن مثلهم كان يملك من الوقت لعدّ نِعم الله ، ولا من الخوف من ملاقاته
ليُثابر على شكره ، وقد قال الإمام علي (علية السلام ) " بالشكر تدوم
النِعم ".
جميعنا سمعنا من يقول " دوام الحال من المحال " لكن في أعماقنا لا نصدّق
هذه الحكمة أو نتعظ بها. فالنفس البشريّة في اعتيادها على النِعم لا
تُصدِّق زوالها. لا غنياً يتوقّع إفلاسه ، لا شاباً يرى نفسه ذات يومٍ
شيخاً ، لاحاكماً يضع في حسبانه زوال الكرسي وجاه السلطة ، لا المعافى
المتمتّع بنعمة الصحة يضع المرض في حسبانه ، ولا العاشق يتوقّع فقدان
الحبيب ، ولا الحيّ يرى بأمّ عينيه روحه ساعة سكرات الموت .
إن
مأساة الإنسان تكمن في عدم تصديقه لزوال النِعم ، لذلك قليلون يستعدّون
لخسارتها ، بالمثابرة بتذكير النفس بهشاشة مكاسبها . كلّ ما يصنع زهو
الإنسان ومباهجه زائل ، لذا وحده المؤمن أو من منَ عليه الله بالحكمة ،
يتعامل مع الشباب والحبّ والصحة والجاه والثراء والحياة ، كهدايا يُمكن لله
متى شاء استردادها ، لأنها نِعم يختبرنا بها الله كي نكون أهلاً للنعمة
الأبديّة : الجـــــّنة .
تذكر أنك بشر ..!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
Admin02/02/14, 04:35 pm